سورة الشعراء - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشعراء)


        


{الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)}
قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} أي يرشدني إلى الدين. {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} أي يرزقني. ودخول {هُوَ} تنبيه على أن غيره لا يطعم ولا يسقى، كما تقول: زيد هو الذي فعل كذا، أي لم يفعله غيره. {وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} قال: {مَرِضْتُ} رعاية للأدب وإلا فالمرض والشفاء من الله عز وجل جميعا. ونظيره قول فتى موسى: {وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ}. {وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} يريد البعث وكانوا ينسبون الموت إلى الأسباب، فبين أن الله هو الذي يميت ويحيى. وكله بغير ياء: {يَهْدِينِ} {يَشْفِينِ} لان الحذف في رءوس الآي حسن لتتفق كلها. وقرأ ابن أبى إسحاق على جلالته ومحله من العربية هذه كلها بالياء، لان الياء اسم وإنما دخلت النون لعلة. فإن قيل: فهذه صفة تجميع الخلق فكيف جعلها إبراهيم دليلا على هدايته ولم يهتد بها غيره؟ قيل: إنما ذكرها احتجاجا على وجوب الطاعة، لان من أنعم وجب أن يطاع ولا يعصى ليلتزم غيره من الطاعة ما قد التزمها، وهذا إلزام صحيح. قلت: وتجوز بعض أهل الإشارات في غوامض المعاني فعدل عن ظاهر ما ذكرناه إلى ما تدفعه بدائه العقول من أنه ليس المراد من إبراهيم. فقال: {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} أي يطعمني لذة الايمان ويسقين حلاوة القبول. ولهم في قوله: {وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} وجهان: أحدهما- إذا مرضت بمخالفته شفاني برحمته.
الثاني- إذا مرضت بمقاساة الخلق، شفاني بمشاهدة الحق.
وقال جعفر بن محمد الصادق: إذا مرضت بالذنوب شفاني بالتوبة. وتأولوا قوله: {وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} على ثلاثة أوجه: فالذي يميتني بالمعاصي يحييني بالطاعات.
الثاني: يميتني بالخوف يحييني بالرجاء.
الثالث: يميتني، بالطمع ويحييني بالقناعة.
وقول رابع: يميتني بالعدل ويحييني بالفضل.
وقول خامس: يميتني بالفراق ويحييني بالتلاق.
وقول سادس: يميتني بالجهل ويحييني بالعقل، إلى غير ذلك مما ليس بشيء منه مراد من الآية، فإن هذه التأويلات الغامضة، والأمور الباطنة، إنما تكون لمن حذق وعرف الحق، وأما من كان في عمى عن الحق ولا يعرف الحق فكيف ترمز له الأمور الباطنة، وتترك الأمور الظاهرة؟ هذا محال. والله أعلم. قوله تعالى: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} {أَطْمَعُ} أي أرجو.
وقيل: هو بمعنى اليقين في حقه، وبمعنى الرجاء في حق المؤمنين سواه. وقرأ الحسن وابن أبى إسحاق: {خطاياي} وقال: ليست خطيئة واحدة. قال النحاس: خطيئة بمعنى خطايا معروف في كلام العرب، وقد أجمعوا على التوحيد في قوله عز وجل: {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ} ومعناه بذنوبهم. وكذا {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} معناه الصلوات، وكذا {خَطِيئَتِي} إن كانت خطايا. والله أعلم. قال مجاهد: يعني بخطيئته قوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا} وقوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} وقوله: إن سارة أخته. زاد الحسن وقوله للكوكب: {هذا رَبِّي} وقد مضى بيان هذا مستوفى.
وقال الزجاج: الأنبياء بشر فيجوز أن تقع منهم الخطيئة، نعم لا تجوز عليهم الكبائر لأنهم معصومون عنها. {يوم الدين} يوم الجزاء حيث يجازى العباد بأعمالهم. وهذا من إبراهيم إظهار للعبودية وإن كان يعلم أنه مغفور له.
وفي صحيح مسلم عن عائشة، قلت يا رسول الله: ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذلك نافعة؟ قال: «لا ينفعه إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين».


{رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)}
قوله تعالى: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} {حُكْماً} معرفة بك وبحدودك وأحكامك، قاله ابن عباس.
وقال مقاتل: فهما وعلما وهو راجع إلى الأول.
وقال الكلبي: نبوة رسالة إلى الخلق. {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} أي بالنبيين من قبلي في الدرجة.
وقال ابن عباس: بأهل الجنة، وهو تأكيد قوله: {هَبْ لِي حُكْماً}. قوله تعالى: {وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} قال ابن عباس: هو اجتماع الأمم عليه.
وقال مجاهد: هو الثناء الحسن. قال ابن عطية: هو الثناء وخلد المكانة بإجماع المفسرين، وكذلك أجاب الله دعوته، وكل أمة تتمسك به وتعظمه، وهو على الحنيفية التي جاء بها محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال مكي: وقيل معناه سؤاله أن يكون من ذريته في آخر الزمان من يقوم بالحق، فأجيبت الدعوة في محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال ابن عطية: وهذا معنى حسن إلا أن لفظ الآية لا يعطيه إلا بتحكم على اللفظ.
وقال القشيري: أراد الدعاء الحسن إلى قيام الساعة، فإن زيادة الثواب مطلوبة في حق كل أحد. قلت: وقد فعل الله ذلك إذ ليس أحد يصلى على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا وهو يصلى على إبراهيم وخاصة في الصلوات، وعلى المنابر التي هي أفضل الحالات وأفضل الدرجات. والصلاة دعاء بالرحمة. والمراد باللسان القول، وأصله جارحة الكلام. قال القتبي: وموضع اللسان موضع القول على الاستعارة، وقد تكنى العرب بها عن الكلمة. قال الأعشى:
إنى أتتني لسان لا أسر بها *** من علو لا عجب منها ولا سخر
قال الجوهري: يروى من علو بضم الواو وفتحها وكسرها. أي أتانى خبر من أعلى، والتأنيث للكلمة. وكان قد أتاه خبر مقتل أخيه المنتشر. روى أشهب عن مالك قال قال الله عز وجل: {وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} لا بأس أن يحب الرجل أن يثنى عليه صالحا ويرى في عمل الصالحين، إذا قصد به وجه الله تعالى، وقد قال الله تعالى: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} وقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا} أي حبا في قلوب عباده وثناء حسنا، فنبه تعالى بقوله: {وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} على استحباب اكتساب ما يورث الذكر الجميل. الليث بن سليمان: إذ هي الحياة الثانية. قيل:
قد مات قوم وهم في الناس أحياء قال ابن العربي: قال المحققون من شيوخ. الزهد في هذا دليل على الترغيب في العمل الصالح الذي يكسب الثناء الحسن، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث» الحديث وفي رواية إنه كذلك في الغرس والزرع وكذلك فيمن مات مرابطا يكتب له عمله إلى يوم القيامة. وقد بيناه في آخر آل عمران والحمد لله.
قوله تعالى: {وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} دعاء بالجنة وبمن يرثها، وهو يرد قول بعضهم: لا أسأل جنة ولا نارا. قوله تعالى: {وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ} كان أبوه وعده في الظاهر أن يؤمن به فاستغفر له لهذا، فلما بان أنه لا يفي بما قال تبرأ منه. وقد تقدم هذا المعنى. {إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ} أي المشركين. و{كانَ} زائدة. {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} أي لا تفضحني على رءوس الاشهاد، أو لا تعذبني يوم القيامة.
وفي البخاري عن أبى هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «إن إبراهيم يرى أباه يوم القيامة عليه الغبرة والقترة» والغبرة هي القترة. وعنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «يلقى إبراهيم أباه فيقول يا رب إنك وعدتني إلا تخزيني يوم يبعثون فيقول الله تعالى إنى حرمت الجنة على الكافرين» انفرد بهما البخاري رحمه الله. قوله تعالى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ} {يَوْمَ} بدل من {يَوْمَ} الأول. أي يوم لا ينفع مال ولا بنون أحدا. والمراد بقوله: {وَلا بَنُونَ} الأعوان، لان الابن إذا لم ينفع فغيره متى ينفع؟ وقيل: ذكر البنين لأنه جرى ذكر والد إبراهيم، أي لم ينفعه إبراهيم. {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} هو استثناء من الكافرين، أي لا ينفعه ماله ولا بنوه.
وقيل: هو استثناء من غير الجنس، أي لكن {مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} ينفعه لسلامة قلبه. وخص القلب بالذكر، لأنه الذي إذا سلم سلمت الجوارح، وإذا فسد فسدت سائر الجوارح. وقد تقدم في أول البقرة. واختلف في القلب السليم فقيل: من الشك والشرك، فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد، قاله قتادة وابن زيد وأكثر المفسرين.
وقال سعيد بن المسيب: القلب السليم الصحيح هو قلب المؤمن، لان قلب الكافر والمنافق مريض، قال الله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} وقال أبو عثمان السياري: هو القلب الخالي عن البدعة المطمئن إلى السنة.
وقال الحسن: سليم من آفة المال والبنين.
وقال الجنيد: السليم في اللغة اللديغ، فمعناه أنه قلب كاللديغ من خوف الله.
وقال الضحاك: السليم الخالص.
قلت: وهذا القول يجمع شتات الأقوال بعمومه وهو حسن، أي الخالص من الأوصاف الذميمة، والمتصف بالأوصاف الجميلة، والله أعلم. وقد روى عن عروة أنه قال: يا بنى لا تكونوا لعانين فإن إبراهيم لم يلعن شيئا قط، قال الله تعالى: {إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}.
وقال محمد بن سيرين: القلب السليم أن يعلم أن الله حق، وأن الساعة قائمة، وأن الله يبعث من في القبور.
وفي صحيح مسلم من حديث أبى هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير» يريد- والله أعلم- أنها مثلها في أنها خالية من ذنب، سليمة من كل عيب، لا خبرة لهم بأمور الدنيا، كما روى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «أكثر أهل الجنة البله» وهو حديث صحيح. أي البله عن معاصي الله. قال الأزهري: الأبله هنا هو الذي طبع على الخير وهو غافل عن الشر لا يعرفه.
وقال القتبي: البله هم الذين غلبت عليهم سلامة الصدور وحسن الظن بالناس.


{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (98) وَما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ (99) فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (100) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104)}
قوله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} أي قربت وأدنيت ليدخلوها.
وقال الزجاج: قرب دخولهم إياها. {وَبُرِّزَتِ} أي أظهرت {الْجَحِيمُ} يعني جهنم. {لِلْغاوِينَ} أي الكافرين الذين ضلوا عن الهدى. أي تظهر جهنم لأهلها قبل أن يدخلوها حتى يستشعروا الروع والحزن، كما يستشعر أهل الجنة الفرح لعلمهم أنهم يدخلون الجنة. {وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} من الأصنام والأنداد {هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ} من عذاب الله {أَوْ يَنْتَصِرُونَ} لأنفسهم. وهذا كله توبيخ. {فَكُبْكِبُوا فِيها} أي قلبوا على رؤوسهم.
وقيل: دهوروا وألقى بعضهم على بعض.
وقيل: جمعوا. مأخوذ من الكبكبة وهى الجماعة، قاله الهروي.
وقال النحاس هو مشتق من كوكب الشيء أي معظمه. والجماعة من الخيل كوكب وكبكبة.
وقال ابن عباس: جمعوا فطرحوا في النار.
وقال مجاهد: دهوروا.
وقال مقاتل: قذفوا. والمعنى واحد. تقول: دهورت الشيء إذا جمعته ثم قذفته في مهواة. يقال: هو يدهور اللقم إذا كبرها. ويقال: في الدعاء كب الله عدو المسلمين ولا يقال أكبه. وكبكبه، أي كبه وقلبه. ومنه قوله تعالى: {فَكُبْكِبُوا فِيها} والأصل كببوا فأبدل من الباء الوسطى كاف استثقالا لاجتماع الباءات. قال السدى: الضمير في {فَكُبْكِبُوا} لمشركي العرب {وَالْغاوُونَ} الآلهة. {وَجُنُودُ إِبْلِيسَ} من كان من ذريته.
وقيل: كل من دعاه إلى عبادة الأصنام فاتبعه.
وقال قتادة والكلبي ومقاتل: {الْغاوُونَ} هم الشياطين.
وقيل: إنما تلقى الأصنام في النار وهى حديد ونحاس ليعذب بها غيرهم. {قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ} يعني الانس والشياطين والغاوين والمعبودين اختصموا حينئذ. {تَاللَّهِ} حلفوا بالله {إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي في خسار وتبار وحيرة عن الحق بينة إذا اتخذنا مع الله آلهة فعبدناها كما يعبد، وهذا معنى قوله: {إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ} أي في العبادة وأنتم لا تستطيعون الآن نصرنا ولا نصر أنفسكم. {وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ} يعني الشياطين الذين زينوا لنا عباده الأصنام.
وقيل: أسلافنا الذين قلدناهم. قال أبو العالية وعكرمة: {الْمُجْرِمُونَ} إبليس وابن آدم القاتل هما أول من سن الكفر والقتل وأنواع المعاصي. {فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ} أي شفعاء يشفعون لنا من الملائكة والنبيين والمؤمنين. {وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} أي صديق مشفق، وكان على رضي الله عنه يقول: عليكم بالإخوان فإنهم عدة الدنيا وعدة الآخرة، ألا تسمع إلى قول أهل النار: {فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} الزمخشري: وجمع الشافع لكثرة الشافعين ووحد الصديق لقلته، ألا ترى أن الرجل إذا امتحن بإرهاق ظالم مضت جماعة وافرة من أهل بلده لشفاعته، رحمة له وحسبة وإن لم تسبق له بأكثرهم معرفة، وأما الصديق فهو الصادق في ودادك الذي يهمه ما يهمك فأعز من بيض الأنوق، وعن بعض الحكماء أنه سئل عن الصديق فقال: اسم لا معنى له. ويجوز أن يريد بالصديق الجمع. والحميم القريب والخاص، ومنه حامة الرجل أي أقرباؤه. واصل هذا من الحميم وهو الماء الحار، ومنه الحمام والحمى، فحامة الرجل الذين يحرقهم ما أحرقه، يقال: هم حزانته أي يحزنهم ما يحزنه. ويقال: حم الشيء وأحم إذا قرب، ومنه الحمى، لأنها تقرب من الأجل.
وقال علي بن عيسى: إنما سمى القريب حميما، لأنه يحمى لغضب صاحبه، فجعله مأخوذا من الحمية.
وقال قتادة: يذهب الله عز وجل يوم القيامة مودة الصديق ورقة الحميم. ويجوز: {ولا صديق حميم} بالرفع على موضع {مِنْ شافِعِينَ}، لان {مِنْ شافِعِينَ} في موضع رفع. وجمع صديق أصدقاء وصدقاء وصداق. ولا يقال صدق للفرق بين النعت وغيره.
وحكى الكوفيون: أنه يقال في جمعه صدقان. النحاس: وهذا بعيد، لان هذا جمع ما ليس بنعت نحو رغيف ورغفان. وحكموا أيضا صديق وأ صادق. وأفاعل إنما هو جمع أفعل إذا لم يكن نعتا نحو أشجع وأشاجع. ويقال: صديق للواحد والجماعة وللمرأة، قال الشاعر:
نصبن الهوى ثم ارتمين قلوبنا *** بأعين أعداء وهن صديق
ويقال: فلان صديقي أي أخص أصدقائي، وإنما يصغر على جهة المدح، كقول حباب ابن المنذر:
أنا جذيلها المحكك *** وعذيقها المرجب
ذكره الجوهري. النحاس: وجمع حميم أحماء وأحمة وكرهوا أفعلاء للتضعيف. {فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً} {أَنَّ} في موضع رفع، المعنى ولو وقع لنا رجوع إلى الدنيا لآمنا حتى يكون لنا شفعاء. تمنوا حين لا ينفعهم التمني.
وإنما قالوا ذلك حين شفع الملائكة والمؤمنون. قال جابر بن عبد الله قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إن الرجل ليقول في الجنة ما فعل فلان وصديقه في الجحيم فلا يزال يشفع له حتى يشفعه الله فيه فإذا نجا قال المشركون: {فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ}».
وقال الحسن: ما أجتمع ملا على ذكر الله، فيهم عبد من أهل الجنة إلا شفعه الله فيهم، وإن أهل الايمان ليشفع بعضهم في بعض وهم عند الله شافعون مشفعون.
وقال كعب: إن الرجلين كانا صديقين في الدنيا، فيمر أحدهما بصاحبه وهو يجر إلى النار، فيقول له أخوه: والله ما بقي لي إلا حسنة واحدة أنجو بها، خذها أنت يا أخى فتنجو بها مما أرى، وأبقى أنا وإياك من أصحاب الأعراف. قال: فيأمر الله بهما جميعا فيدخلان الجنة. {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} تقدم والحمد لله.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7